السبت، 23 مايو 2009

تصرف مبرر

وسط البلد. شرطيان. يقول الأول لزميله: "شفت السيارة الكشف؟" فيومئ الآخر برأسه ممتعضاً فبعود ليسأله: "شو مالك؟" ليجيب: "عيب!" فيقول الأول:"هن وراهن زلام؟"
تصادفت هذه الحادثة بعد يومين من رؤيتي لشاب يتحرش بالفتيات المارات بالشارع الرئيسي بأن يتعمد الاصطدام بهن وملامسة أجسادهن أو صدورهن. لم يمكني بعض الجبن اللحظي من أن أصرخ به، فقد تخيلت أن شخصاً بهذه الوقاحة لن يجدي مشكلة في أن يقوم باعتداءات جنسية أكثر خطورة.
في المقابل فإن بطلا المثال السابقين، على الأغلب، سيمنعان نساءهم وأخواتهم من الخروج إلى البلد إلا في الحالات الاضطرارية. من وجهة نظرهم فهذا التصرف مبرر لأن هذين الرجلين لن يرغبا في أن تقع نساؤهم فريسة لأمثالهم!
في الحقيقة إن السبب الرئيسي وراء إصرار الرجال على طمس هوية المرأة كإنسان له الحرية في التصرف وإلحاقها بالرجل كأنها كانت جزءاً من متاعه، هو حرص هؤلاء الرجال على عدم المساس بهن أو إيذائهن. فهم، أي الرجال، لا يريدون أن يقعوا في ورطة التعارك مع رجال محتملين قد يتعرضون لنسائهم في حال خرجن. فالحل السحري يكمن في إنهاء المشكلة من جذورها، بحبس المرأة في البيت. ولكن المشكلة أن جذر المشكلة في مكان آخر، في عقول هؤلاء الرجال.
قبل أن استرسل في شرح موقفي أود أن أؤكد على أن العديد من الرجال يلجؤون لحبس نسائهم في البيت. سيعتقد العديد من القراء أنني أبالغ في هذا، لكنني أدعوهم لأن يخرجوا من قوقعتهم ويسيحوا في الأرض ليروا كيف تعامل النساء في بعض القرى والمخيمات.
جذر المشكلة فعلاً في عقول الرجال. فكل واحد من هؤلاء يرى أن المرأة، أية امرأة هي مجرد لعبة جنسية أفنى "الخالق" في صنعها نصف اليوم السادس لمجرد تسهيل تفريغه للكبت الجنسي، وفي أوقات الفراغ، عليها أن تهتم بأموره الأخرى كتحضير الطعام وتنظيف البيت والعناية بالأولاد (أولاده!).
في ظل هذا التصور النظري لدور المرأة من الطبيعي أن لا يرى الرجل، أي رجل (شرقي طبعاً)، في أي امرأة سوى مجموعة من الأعضاء الجنسية، ولذلك لم يجد الشرطي حرجاً من وصف شعوره هذا كما لم يجد الشاب خطأً في تحرشه بالفتيات. وفي الحقيقة إن المدقق في الأمر سيرى شباباً في أوج طاقتهم الجنسية، لكنهم لا يستطيعون تفريغ هذه الطاقة في هذا المجتمع. يحاول المعظم القضاء على هذه المشكلة من خلال الزواج، فبتزويج الشاب سيتمكن من ممارسة نشاطه الجنسي دون أن يكون في ذلك خروج عن المألوف، إلا أن الزواج بحد ذاته لم يقم بهدم الصورة النمطية للمرأة بل ساهم بتعزيزها بصورة أكبر، فها هو هذا الشاب في العشرين أو الثانية والعشرين من عمره، يحصل على امرأته الخاصة، ربما في نفس الوقت الذي يحصل فيه على بيته الخاص أيضاً، فيتعزز لديه هذا الإحساس بالملكية من ناحية، والاستعمال الجنسي من ناحية أخرى.
وسيعود هذا الرجل إلى شوارع المدينة، وسينظر إلى النساء نظرته الجنسية تلك، وسيظن أنه لو كان لهن رجال، لما خرجن هكذا، وبما أنهن غير مملوكات فإنهن مشاع، والمشاع ملك لمن استغله!

هناك تعليق واحد:

  1. ثورة يا ثورة ... يا ثورة حلوة يا ثورة ...
    البلوج تبعكو رائع يا جماعة...أتحفونا بالمزيد

    ردحذف