لا يمكننا التقدم خطوة واحدة للأمام في مشروعنا الوطني طالما كان هذا المشروع ممزقاً كما هو الحال الآن. ستطل علينا بعد أيام الذكرى الحادية والستين للنكبة، وبعد شهر من هذا التاريخ، ستمر على الذكرى الثانية لنكبتنا الأخرى: الانقسام أو الانقلاب أو الحسم. أنا لا أفهم كيف يتوقع البعض أن يسير بمسار المقاومة أو المفاوضات بينما الشطر الآخر من الوطن يتبع مساراً مختلفاً. المشكلة هنا أن لدينا قيادتان ترى كل واحدة منهما نفسها كحارسة المشروع الوطني، بينما يضيع هذا المشروع مع كل يوم يمر دون أن ينتهي هذا الانقسام.
أما إذا أردنا أن نناقش الاعتقالات السياسية والحريات والتحول الديمقراطي، فنرى أن كل جانب يتهم الجانب الآخر بهذه الانتهاكات بينما يبرر لنفسه انتهاكاته على أساس أن المعتقلين السياسيين هم حقيقة معتقلون على قضايا جنائية.
لا يمكن أن نتجه نحو مجتمع يتمتع بحريات سياسية طالما استمر هذا الوضع. ولا يمكن لنا أبداً حتى أن نحلم في أي تحول إيجابي في اتجاه صراعنا مع الاسرائيليين دون أن نحل صراعنا مع أنفسنا.
دعونا لا ننسى أن الدافع الرئيسي لهبة الحوار الوطني الأخيرة والصحوة التي رأيناها في هذا الاتجاه لم يكن الاهتمام بتحقيق المصالحة الوطنية، لكن، وللأسف كان مليارات الدولارات الموعودة لإعمار غزة والتي لا يمكن أن تحصل عليها حكومة سلام فياض دون أن تكون لها سلطة في القطاع، ولا يمكن أن تذهب لحكومة اسماعيل هنية نظراً للمقاطعة المفروضة عليها. المتضرر الرئيسي هم آلاف الأسر التي تبيت دون مأوىً لائق، والتي خسرت مشاريعها الانتاجية نتيجة العدوان. والمتضررون الآخرون هم كافة الفلسطينيين: في القطاع الذين لا يحصلون على السلع الأساسية والعناية الصحية وأدنى متطلبات الحياة؛ في القدس الذين لا يعلمون إن كانوا سينامون في بيتهم أم فوق ركامه؛ وفي الضفة، الذين تتناقص كل يوم أراضيهم ولا يأمنون على أنفسهم من اعتداءات المستوطنين؛ وفي الشتات، الذين عاشوا 61 عاماً ينتظرون العودة وعليهم أن يعتادوا على أعوام طويلة قادمة في مخيماتهم.
هذا الصراع بين قياداتنا على الشرعية، والذي ينبثق من نظرية لويس الرابع عشر "أنا الدولة"، غبي كل الغباء، ففي نهاية الأمر نحن الشرعية، ونحن الدولة، والعمل ضد مصالح الشعب هو بحد ذاته خروج عن الشرعية. وتثبيت الشرعية لا يكون إلا بترك المجال أمام جميع الأطياف للمشاركة السياسية الفاعلة. وإذا انتخبنا فتح وسارت في طريق المفاوضات فهذا برنامج انتخبت على أساسه. أما إذا انتخبنا حماس وفرضت علينا المقاطعة من جديد فيتوجب علينا التعود على الأمر إذا كان هذا البرنامج الذي نسعى إليه.
على كل فإن ما ورد هنا لا يتعدى كونه حلم، فلن يتغير شيء من حالنا ما لم نسعى لتغييره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق