الأربعاء، 2 فبراير 2011

التشابه اللامتناهي بين الأنظمة القمعية


بعد ظهر اليوم انطلقت مسيرة لـ"مؤيدي مبارك" كما صورها الإعلام. إلا أن هذه المسيرة تميزت عن المظاهرات الشعبية التي امتدت منذ الثلاثاء الماضي بميزة مريبة: لقد كانت السمة الغالبة للمشاركين في هذه المسيرة من الرجال في أعمار تتراوح بين العشرينيات والاربعيانيات، ركبوا فيها الجمال والخيول وتسلحوا بالهراوات. رغم زيهم المدني، إلا أنه مما لا شك فيه أن المشاركين في هذه المسيرة في يحملون "بروفايل" رجل الأمن في سنهم، وجنسهم، ومطيتهم، وعتادهم.

لم تعدني هذه الأحداث إلى أمر غريب كنت شاهداً عليه قبل عشرة أيام تقريباً، سوى بعد أحداث رام الله مساء اليوم. فحين تظاهر عشرات الشباب الفلسطينيين مساندين لإخوانهم في مصر، وما كان من الشرطة إلا أن اعتدت على المتظاهرين واعتقلت بعضهم.

المشهد الذي عادت اليه ذاكرتي كان لعشرات من الرجال يرتدون زياً مدنياً، خارجين من موقع للأمن الوطني الفلسطيني في رام الله، يحملون الأعلام واللافتات في مظاهرة "دعم وتأييد لعباس والسلطة الفلسطينية." كان المنظر غريباً، فالمظاهرات، في كل بلدان العالم، تكون وسيلة الشعب في التعبير عن نفسه وإيصال رسائله ليأخذها النظام في حسبانه، والمعتاد أن تكون هذه المظاهرات مناهضة لسياسات أو مواقف حكومية معينة. أما مسيرات التأييد، فهذه لا يسمع عنها، في العادة، إلا في بلداننا. وسبحان "مسير الأحوال" الذي يجعل رجال الأمن يخرجون في مسيرات تأييد لمن يدفع رواتبهم.

لأن الشيء بالشيء يذكر، فقد ذكرني قمع المظاهرات المصرية بقمع التظاهرات الفلسطينية (طبعاً مع معرفتي بالفارق الكبير في اسلوب القمع المتبع). وزاد من قلقي على المسار الذي نتجه فيه تذكري لمسيرات رجال الأمن. فهذه لم تكن المرة الأولى التي يندس فيها رجال الأمن في أنشطة المجتمع المدني، وكلنا يذكر العناصر التي خربت اجتماع قوى المعارضة العام الماضي.

لا أعتقد أن التوجه القمعي في أجهزة السلطة قد وصل إلى ما كان (ومازال) يحصل في مصر. ولا أعتقد أن المواطن العادي (حتى هذه اللحظة) يتوقف عند مثل هذا القمع. لكن استمرار الأجهزة الأمنية في التعدي على الحريات السياسية والمدنية بهذا الشكل سيفرز بلا شك نظاماً مشابهاً للنظام المصري، وسيؤدي، في النهاية، إلى ذات النتائج التي نراها، ولو بعد حين.

الاثنين، 17 يناير 2011

شكراً تونس


شكراً تونس، فقد تعلمنا أخيراً معنى كلمات ابنك "إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر". تفاجأنا أن الشعب يمتلك من القوة ما يجعل كل رصاص الأرض يرتعد خوفاً وما يجعل الطاغية ضعيفاً وإن احتمى بآلاف المرتزقة.

تعلمنا أن الثورة تكمن في عقول الناس. وأن الثورة تحتاج فقط إلى أمران رؤية واضحة وتصميم. هذا ما كان في تونس. رؤية واحدة "خبز وماء وبن علي لأ" وتصميم لم ينثني حتى أمام إغراءات الديكتاتور ووعود زائفة بحرية ومساواة ومحاسبة للفاسدين.

على مدى ما يقارب الشهر كانت بذور الثورة تنتشر في كافة انحاء البلاد، والمجنون بعظمته لم ينتبه أن ما يجري ليس مجرد مظاهرات عادية تندد بغلاء الأسعار أو تحمل مطالب هامشية. لم يرى بن علي أن تلك المظاهرات اصبحت منذ أسبوعها الأول تضم اضافة إلى العاطلين عن العمل، المهنيين من محامين وقضاة وصحافيين. وفي غياهب جنونه قام بإلقاء خطابه الأول الذي وصف فيه المتظاهرين بأن لهم أجندة خفية تدفعهم للعبث بأمن تونس واقتصادها، ناسياً، أو غير آبه، إلى أن لا أجندة خفية قد تدفع شاباً متعلماً لحرق نفسه على الملأ.

ثم جاءت الموجة الثانية من التظاهرات بشكل أعنف، وأكثر رخماً. ومرة أخرى راوده جنونه عن نفسه وفسر الأمر على أنه تحالف شرير بين قوى يسارية وأخرى إسلامية تسعى إلى زعزعة الاستقرار في البلاد. ووعد شعبه بالقمع، و300 ألف وظيفة. لم يأبه الشعب المحبط من الوعودات، كسائر إخوانه في الدول العربي، بكلام الجرائد، واستمر في ثورته.

استمرت المظاهرات، حتى طلع الرئيس بخطاب الاستسلام. "أنا فهمتكم" قال، بدري عليك 23 سنة وأنت تسرق في البلد والآن فهمت؟ بس الشعب كان عنده كلمة واحدة "بن على لأ". ولأن الشعب أقوى، الشعب انتصر.

من الممكن أن لا تسير الأمور كما أتمنى لها أن تسير. اليوم تم الإعلان عن حكومة جديدة تضم رموزاً كان الأولى استبعادهم من الحكومة السابقة (بالتحديد وزراء الداخلية والدفاع والمالية) لكن في ظل الوضع القائم، أتمنى أن تتمكن الحكومة (وأن تكون لديها الإرادة اللازمة) من إجراء انتخابات ديمقراطية وحرة، والأهم أن تتمكن كافة القوى الديمقراطية من المشاركة في تلك الانتخابات.

علمتنا تونس معنى الثورة. علمتنا أيضاً معنى القوة، وعلمتنا كذلك أن الاحتلال لا يحتاج لأن يكون أجنبياً ثد يلبس الاحتلال جلدتنا ويحاربنا، بل وقد يكون أكثر وحشية من الاحتلال الأجنبي.