الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

نور العقل

قام جهاز المخابرات العامة الفلسطيني باعتقال الشاب وليد الحسيني من مدينة قلقيلية، الأسبوع الماضي. وذكرت الأنباء الواردة من مصادر محدودة أن الشاب اعتقل على خلفية كتابات كان نشرها على مدونة نور العقل على الانترنت. تبين لي من الأقاويل المتواترة عن من يعرفون الشاب وسكان المدينة أنه يتعرض للتعذيب في سجون المخابرات بناء على هذه "التهمة". الأجهزة الأمنية لم تتطرق للموضوع ولم تعلق عليه حتى الآن، وكذلك فإن كافة مؤسسات حقوق الإنسان تجاهلت الموضوع كلياً. الذكر الوحيد للقضية على المستوى المحلي على الأقل كان على شبكة معاً، ويا ليته لم يرد، فالشبكة التي تطرح نفسها رائدة للإعلام المستقل المحلي فتحت الباب لعشرات التعليقات التي لا يمكن تصنيفها سوى في فئة رسائل الكراهية. حتى هذه اللحظة لم نجد أي شخص يتحرك دفاعاً عن وليد الحسيني.

وليد شاب يفكر بطريقة مختلفة. أو بالأحرى هو شاب مختلف لأنه يفكر، ولأنه يمتلك الجرأة ليطرح أفكاره على الملأ دون أن يستتر وراء أسماء مستعارة. يستخدم وليد مساحة على الانترنت ليدلي بأفكار حول الإيمان والأديان. أفكار تختلف عما يتفق عليه الأغلبية من المجتمع لكنها بلا شك أفكار تستحق الوقوف عندها. يعنون مدونته على أنه "نقد عقلاني للأديان"، ويستغرق في هذا نقد مؤكداً " أنا أحاول أن أكتشف الحقيقة, لا أن أحرف الحقيقة لكي تكون في صالحي, علينا أن نكون صريحين مع أنفسنا قبل أن نجاوب على تلك الأسئلة, نحن لسنا في حرب ولسنا طرفين يتنازعان والبقاء للأقوى.. اذا استطاع احد ما أن يبين أن منهجي خاطئ فلن أحاول ان اكذبه بأساليب تافهة, ولن أحاول أن اتلاعب بالكلمات لكي اثبت وجهة نظري, ففي النهاية نحن نسعى وراء نفس الهدف انا لست عدواً للمسلمين ولا للإسلام, ولكني في عبارة أصح, لست أعز صديق لهم, هجومي على الإسلام لا يعني انني حاقد عليه, ولكني ببساطة اصابني اليأس من رؤية العالم ينهار بسبب الأديان, والمفارقة العجيبة انه عندما تسأل شيخاً مسلماً عن اسباب انهيار اوضاعنا سيجيبك وبكل ثقة : انه بسبب البعد عن الله يا بني لذلك عزيزي المؤمن, عليك بإستخدام عقلك وعدم الإتكال على من يحرف لك المعاني ليرضيك, ولا أعتقد انك سترضى بحقيقة مشوهة ومحرفة تحريفاً واضحاً, واتمنى ان تكون من النوعية التي تبحث عن الحق, ولست من النوعية التي تبحث فقط عما يؤيد ما تعتقد انه الحق."

هذا فعلاً كل ما يفعله وليد. إنه لا يحاول أن يعتدي على أحد، ولا يتطاول على أحد (رغم أن الكثيرون يعتبرون إبداء الرأي المخالف لرأيهم تطاولاً). وليد يعلن أنه ليس عدواً للإسلام، ولكن الكثيرين اختاروا أن يعادوه بدل أن يحاوروه. كنتيجة لذلك فهو ملقى خلف السجون، ومنبوذ من الجميع لأن التعبير عن الرأي وحرية التفكير هما رفاهيتان لا نستحقهما في مجتمع مقموع كمجتمعنا. فنحن مرغمون على احترام كافة الروايات الدينية الصحيحة والضعيفة، العقلانية والساذجة لكننا نتفاجأ حين يخرج من بين صفوفنا من يوقفنا ليقول لنا: "هناك ما لا يقبله العقل في هذا الذي تدعون إليه." حتى وإن اختلفتم مع وليد، أو معي، فلا بد أن يكون لدينا الحق أن نعبر عن ما نعتقده، وأن نؤمن (أو لا نؤمن) بما يتفق وعقلنا.

ما جرى مع وليد، أولاً وقبل كل شيء اعتداء على أهم حقوق الأنسان: الحق في المعتقد والحق في التعبير. ولو تمتع البعض بالجرأة لوقفوا في وجه هذا الاعتداء تماماً كما يقفون ضد الاعتقالات السياسية.

ما جرى مع وليد هو اعتداء على القانون: فليس من حق جهاز المخابرات أن يعتقل شخصاً بناء على عقيدته. وليس من حق الحكومة تعذيب السجناء، ومن حق السجناء أن تتوفر لهم معرفة تامة بلائحة الاتهام الموجهة لهم، ومن حقهم الحصول على الدفاع القانوني اللازم... لا أدعي أني على علم بكافة تفاصيل الحادثة لكنني متأكد أن العديد من هذه الحقوق خرقت في عملية الاعتقال.

ما جرى مع وليد هو اعتداء على عقولنا. هو ترسيخ لمفهوم مسيطر في كافة المجتمعات العربية أن هناك "ولي أمر" تماماً كما في المدارس. وولي الأمر هذه بيده أن يمنعنا من أن نتصرف كما نريد لأنه يعرف "مصلحتنا"، وبالتالي فله الحق في أخذ الإجراء الذي يراه مناسباً. تماماً كما أن حماس تمنع النساء من تدخين الأرجيلة لأنها، كولي أمر، مقتنعة أن هذا ليس في مصلحتنا ولذلك يجب أن يوقف عند حده كل من لا يعرف مصلحته.

ما جرى هو أيضاً تآمر. فقد تآمرت الحكومة، والشعب والإعلام عليه لوضعه في خانة الخارج عن الصف الوطني والأخلاقي، رغم أنه في حقيقة الأمر لم يخرج عن هذا الصف إلا في محاولاته الفكرية التي عادة من نتجنبها.

المؤلم فيما جرى، أن الإعلام يعرضه "كنجاح للأجهزة الأمنية". هذه الصياغة جعلتني أشعر أن هناك خلية سرية تقوم بدس الدسائس للمواطنين ونجحنا في تفكيكها. لم يخطر ببالي أن الموضوع يدور عن شاب يستخدم الانترنت للتعبير عن رأيه.

المزعج أيضاً أن يخرج علينا رئيس الوزراء في نهاية الأسبوع ليحدثنا عن رفض فكرة التعذيب وضمان حقوق الانسان بما فيها الحق في التعبير عن الرأي. هذا الخطاب، في هذا السياق، أعادني لكتاب جورج أورويل "1984"، حيث يكذب الناس ما يروه بأم أعينهم ويصدقون فقط ما ترويه لهم الأجهزة الرسمية.

أنا ضد الإسلام السياسي، لكن عندما تقوم أجهزة الأمن باعتقال الصحفيين والأكاديميين، والأفراد على خلفية انتمائهم لهذا التيار، فأنا أعبر عن معارضتي لهذا الإجراء. وعنما تمنع الأجهزة الأمنية مسيرات ومؤتمرات حزب التحرير، أنتقد هذا التدخل. مواقفي هذه لا تأتي دفاعاً عن أفكار المعتدى عليهم، وإنما دفاعاً عن مبدأ مهم، تعلمناه في الجامعات: "قد اختلف معك في الرأي، لكنني أدفع عمري كي أسمعك." فهل هناك من هو مستعد لأن يدافع عن حق شخص في التعبير عن آرائه؟ حتى لو اختلفتم معه في الرأي؟ هذا هو مقياس الذي يحدد إن كنا نحترم الحريات أو نتشدق باحترامها.

هناك تعليق واحد:

  1. استغرب من هذا الطرح العقلاني الذي تجاهل بصورة وصلت الى حد السذاجة كتابات "المفكر" المبدع الذي لا اكنّ له سوى اشد درجات الاحتقار و ذلك للمستوى الهابط البذيء الذي كان يتمتع به على صفحاته على موقع فيس بوك. انا اعتقد ان الدين يندرج تحت بند الحريات الشخصية و لا اّبه ابدا بمن هو ملحد او متصوف، و لكن مهم جدا احترام وجهة نظر الاخر و احترام معتقداته. ما حلّ بهذا الشخص المريض الذي يبحث عن الاهتمام و لفت الانتباه باي شكل هو نتيجة طبيعية بل و حضارية جدا نظرا لان كتاباته و طروحاته لم تكن تخاطب المتديّن او المثقف او العلماني او اي مفكر بشكل عام، و انما كانت تخاطب كل ما هو عكس ذلك من غوغائيين و متعصبين و جهلة. مستوى كتاباته هو الذي حدد له هذا الجمهور الذي ينادي له بأشد انواع العقوبة و اقصاها...

    ردحذف