جنس، كذب، وأشرطة فيديو. من الممكن أن تذكرنا هذه الكلمات بأحد الأفلام الأميركية من القرن الماضي، لولا الفوضى التي أحاطت في البلاد في الأيام الأخيرة والتي تحمل في ثناياها جنساً وكذبا وأشرطة فيديو ضمن مجموعة أخرى من
الوثائق.
إن تكوين وجهة نظر عن هذه القضية ليس بالأمر السهل نظراً لتعقيداتها فهي تشمل تصوير رفيق الحسيني، مدير ديوان الرئيس، يستعد لممارسة الجنس مع امرأة مجهولة الهوية. كذلك تشمل القضية، ضابطاً من المخابرات يسلم وثائق سرية إلى قناة اسرائيلية ومعلومات حول قضايا فساد بملايين الدولارات. أما أهم ما في القضية فقد كانت ردود الفعل التي حركتها في المجتمع الفلسطيني. لوضع رأي حول هذه القضية لا بد من تحليل كل عنصر على حدىً.
في البداية، لا بد من النظر بعين ناقدة على أساس هذه الفضيحة. فشريط الفيديو الذي يظهر الحسيني ليس حدثاً معزولاً بل يعد أسلوباً كلاسيكياً كانت أجهزة المخابرات الفلسطينية قد ورثته عن نظيرتها الإسرائيلية. من المعروف أن محاولات الإسقاط للتعامل مع المخابرات الإسرائيلية اعتمدت على تصوير أشخاص عند ممارستهم للجنس مع فتاة واستخدام هذا التصوير في عملية ابتزازهم. وقد قامت الأجهزة الأمنيةالفلسطينية باعتماد هذا الأسلوب مع العديدين. واستولت حماس عند احتلالها لمقار الأجهزة الأمنية على العديد من هذه الأشرطة.
إن ما يفعله أي شخص في حياته الخاصة ليس من شأن أي شخص آخر، حتى لو كان هذا الشخص مسؤولاً رفيعاً وحتى لو كان الفعل ممارسة جنسية. إن مثل هذه الممارسات تنتشر في أكثر المجتمعات محافظة ولذلك من المعقول الاعتقاد أن العديدن ممن خرجوا ينتقدون مثل هذا التصرف على مسؤول رفيع قد قاموا بمثل هذا العمل بأنفسهم وكما يقول المثل "اللي بيتو من قزاز ما برمي الناس بحجار".
إن انتهاك أجهزة المخابرات للحاية الخاصة للمواطنين بهذا الشكل فيستدعي وضع ضوابط على عمل هذه الأجهزة بما يمنع مثل هذه الانتهاكات. أما بالنسبة للمشؤول، فله الحرية أن يقرر مصيره السياسي، فإن كان لا يرى حرجاً في ما فعل، فعليه أن يستمر في عمله. في نهاية الأمر لا تظهر هذه الأشرطة أي عمل غير قانوني من طرفه.
الأمر المحزن في كل الموضوع هو نسيان الجزء الذي يتعلق بالجرائم الحقيقية. التقرير الذي بالمبالغ المالية الكبيرة التي تقاضاها بعض الأفراد المتنفذين في السلطة. الحديث يدور هنا عن مبالغ بملايين الدولارات، ويظهر في التقرير اسم واحد في هذه القضاية هو اسم عاطف علاونة أحد المسؤولين السابقين في وزارة المالية والذي يرأس حالياً هيئة سوق رأس المال. حتى هذه اللحظة لا يمكن الجزم بصحة الوثائق ومدى قدرتها على اثبات أية تهم، لكن خطورة التهم التي تظهرها مثل هذه الوثائق تجعل من الضروري إحالتها للقضاء ومحاكمة المسؤولين الذين تظهر أسماؤهم محاكمة عادلة. هذا هو الأمر الوحيد الذي من الممكن أن يعيد الثقة في قيادة السلطة.
إن عدم الاهتمام بقضايا الفساد وتركز ردود الفعل على العلاقة الجنسية لأحد المسؤولين يشير بلا شك إلى وضع محزن في المجتمع الفلسطيني. فانعدام الثقة بالقيادة الفلسطينية جعل المواطنين يغضون الطرف عن المبالغ والأسماء ويهتمون فقط في حملة التشهير المرتبطة بعلاقات رفيق الحسيني الجنسية. كذلك فإن ردود الفعل التي انطلقت من السلطة تشير بلا شك إلى انعدام الإرادة لمعالجة قضايا الفساد وتركز هذه الإرادة في الحفاظ على الحالة القائمة من مجموعات تنتفع من بعضها البعض والحفاظ على مثل هذا التوازن.
أما الأمر الأخير الذي لا بد من بحثه فهو إقدام أحد عناصر أجهزة المخابرات على نشر وثائق سرية باستخدام طرف إسرائيلي. إن مثل هذا العمل بلا شك يعتبر خيانة للأمانة الوظيفية على أقل تقدير. فالمعلومات التي يطلع عليها أفراد هذا الجهاز يتوجب أن تبقى طي الكتمان ولا تستخدم إلا في تحقيق الأهداف التي جمعت لأجلها. القضية الأخرى في هذا السياق هي الحماية التي يتوجب أن يقدمها القانون "لمطلقي الصافرات" حول قضايا الفساد. فالنظام الفلسطيني لم يتطور بعد ليسمح لمن يمتلكون معلومات حول قضايا الفساد بالتقدم بمثل هذه المعلومات مع الحفاظ على أمنهم الشخصي.
إن أهم ما يكمن في هذه التجربة هي الدروس التي يتوجب استخلاصها. في نظري، هذه الدروس هي:
1- وجوب وضع قواعد لعمل أجهزة المخابرات وضمان عدم تدخلهم في الحياة الشخصية للمواطنين ما لم يرتبط ذلك بقضية تتعلق بأمن الدولة. في هذا السياق لا تعتبر القضايا الجنسية والفساد قضايا تمس بأمن الدولة.
2- وجوب تفعيل عمل هيئة مستقلة وقوية في مجال الرقابة الإدارية والمالية على كافة أجهزة السلطة، على أن تجاوز عملها إعطاء العلامات (هذا هو جل ما تقوم به هذه الهيئة في الوقت الحالي- تقييم أداء على أساس سلم غامض من1-100) إلى التدقيق في العمليات والأنشطة والقضايا المالية خصوصاً للأفراد اللذين يحتلون مواقع قيادية تمكنهم من اتخاذ قرارات مالية وإدارية حساسة.
3- تقديم كل من ظهرت أسمائهم في هذا التقرير والبحث في وثائق أخرى وتقديم كل من توجد أدلة على قيامهم بأعمال غير مشروعة. لن يفلح أي شيء في إعادة الثقة إلى السلطة سوى رؤية رموز الفساد في قفص الاتهام مهما علت مناصبهم. إن صورة واحدة لمسؤول رفيع أمام محكمة تحاكمه في قضايا فساد تتصدر صفحة القدس أو الأيام أو الحياة ستفوق كل الشعارات حول مكافحة الفساد.
4- لا بد من أن تقوم السلطة بمراجعة قدرة أفرادها على حفظ الأسرار ومستوى المعلومات التي يحصل عليها أي فرد يعمل في أي مؤسسة.